فهذه الفرق ضلت في هذا الأمر، وهي لم تنكر علم الله، لكنها أشركت مع الله سبحانه وتعالى غيره في علم الغيب المطلق، الذي هو من خصائص الألوهية، والله تبارك وتعالى يقول: : ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ))[الأنعام:59]، وتقديم الظرف دليل على الاختصاص، أي أنه مختص به وحده، فهذه الآية -وغيرها كثير- تدل على اختصاص الله تعالى بعلم الغيب، كما قال تعالى: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا))[الجن:26].
وهذا الغيب يشمل الجزئيات كما يشمل الكليات؛ لأنه ذكر الحبة والورقة والرطب واليابس، وليس بعد هذا من شيء .. فكل شيء يعلمه الله، حتى قطرات المطر، فإنه سبحانه يعلم أين ستقع كل قطرة من قطرات المطر، ويعلم موقع كل ذرة من ذرات الرمال، فهي من اليابس المذكور في الآية، ويعلم ذرات بخار الماء مهما دقت وصغرت، وهو من الرطب، يعلم سبحانه وتعالى أين هي، وهل هي في جوف إنسان أو حيوان يتنفس، أو على ورقة، أو في باطن الأرض، أو هي في الفضاء، فلا يخفى على الله شيء أبداً، فهو مختص بهذا العلم.. علم الكليات والجزئيات، وهما سيان عنده سبحانه وتعالى.